إحذروا الإعتدال و احذروا السّلام

بقلم أسامة حريري  ـ ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٣

(Source: nydailynews.com)

(Source: nydailynews.com)

ما هي القواسم المشتركة بين الرّئيس الأميركي باراك أوباما والرّئيس الإيراني حسن  روحاني ؟ قد يبدو هذا السّؤال غريباً بنظر البعض نظراً للفرق الكبير بين كلّ من الرّئيسين ، إلّا إنّ هذه المشابهة تلقي الضّوء على بعض العوامل التي تؤثّر بالعلاقة بين رئيس ” الشيطان الأكبر”  ورئيس  ”الجمهوريّة الإيرانيّة الإسلاميّة

فالأوّل جاء انتخابه بعد سلسلة سياسات هجوميّة اتّبعتها إدارة جورج بوش الإبن ، إنطلاقاً من حرب أفغانستان مروراً باجتياح العراق ، وممّا أدّت إليه هذه الحروب التي لم تخلّف ورائها سوى الخراب. هذا عدا عن الأزمة الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد منذ أواخر عام 2007. فبعد أعوامٍ من التدخّل “السّافر” ، كما يقول الممانعون الحريصون على مصلحة الوطن ، إستنتجت إدارة باراك أوباما أنّ الشّرق الأوسط لا يجلب سوى المتاعب خصوصاً بعد أن فشلت تجربة أفغانستان والقضاء على حركة طالبان و بعد أن عمّت الفوضى في العراق بلد الإنقسام و الشّقاق . ووضع أوباما على سلّم أولويّاته تحسين الوضع الإقتصادي الدّاخلي والتّصدّي لسياسات الجمهوريين و الإبتعاد قدر الإمكان عن التّدخلات العسكريّة خصوصاً أنّ التّهديد أصبح إقتصاديّاً مصدره الشّرق الأقصى تحديداً الصّين .  وباراك أوباما يفضّل الحلول الدبلوماسيّة على الحلول العسكريّة حتّى لو تطلّب ذلك أن يذعن لإرادة نظيره الرّوسي . أوليس هو من نال جائزة نوبل للسّلام بعد مضي بضعة أشهر على انتخابه وذلك لمشاريع لم ينجزها بعد ؟

أمّا إنتخاب روحاني فكان أيضاّ نابعاً عن إرادة بالتّغيير بعد أن عانى الشّعب الإيراني من عواقب تصرّفات وتصريحات أحمدي نجاد الإستفزازيّة . فالشّباب الإيراني اليوم يطمح لمزيد من الحريّات والإنفتاح على العالم الخارجي . وروحاني يسعى لإعطاء صورة إيجابيّة عن إيران كما سعى أوباما لإعطاء صورة مختلفة عن ما قام به جورج بوش الأبن. ومن العوامل الأساسيّة في انتخاب روحاني هو العامل الإقتصادي و المالي خصوصاً بعد أن بدأت العقوبات تؤثّر دراماتيكيّاً على إقتصاد إيران. أمّا العامل الآخر لانتخاب روحاني رئيساً فهو الملفّ النووي. فحسن روحاني ” المعتدل ” ، على عكس أحمدي نجاد، يسعى للحوار من أجل التوصّل الى اتّفاق يرضي جميع الأطراف رغم أنّ بعض المحلّلين يصفون روحاني بالمراوغ المتمرّس.

وخلاصة لما كتبناه أعلاه ، نستنتج القواسم المشتركة بين الرّئيسين

 رغبة في التّغيير السياسي السّلس ورغبة بإنقاذ البلاد من الأزمة الإقتصاديّة

 إعطاء صورة إيجابيّة للعالم عن نوايا كل من البلدين

حلّ المسائل سلميّاً وتجنّب المواجهات المباشرة

لهذه الاسباب أُطاق على أوباما لقب رجل السّلام و على روحاني لقب رجل الإعتدال. و لكن هل سينجح أوباما بسياسته التي تتجنّب المواجهة ؟ و هل سينجح روحاني باعتداله ؟

 

رغم اعتداله، المشكوك فيه ، لا يتمتّع روحاني بصلاحيّات واسعة وذلك لأنّ القرار النّهائي يعود للمرشد علي خامنئي وحرسه الثّوري الذي يسيطر على المؤسّسات الإقتصاديّة و الماليّة و الصحّيّة و العقاريّة … لذلك، إذا كان البعض ينتظر تغييراً جذريّاً في النّظام فهو مخطئ. فنظام علي خامنئي رضخ لفوز روحاني ليس حبّاً بالتّغيير بل نتيجة الشّعور بالخطر النّاتج عن العقوبات الإقتصاديّة و الغضب الشّعبي الذي يرافقها . و حسن روحاني هنا هو رجل المهمّات الصّعبة. فانتخابه يساهم في تخفيف الغليان الشّعبي بحجّة أنّ النظام يترك حيّزاً للديمقراطيّة ( علماً أنّ النظام هو الذي يوافق أو لا يوافق على التّرشيحات ) و يساهم في إعطاء صورة أفضل عن إيران ونيّاتها في الحوار. وفي نهاية المطاف لا يقوم روحاني سوى بإنقاذ نظام المرشد أو على الأقلّ تحسين صورته و من الظّاهر أنّ روحاني هو من أصحاب التّغيير السّلس أو ما يُعرف بالإنكليزيّة بال«سوفت تشاينج» فهو يفضّل أن يندمج و يتأقلم مع النّطام القائم على أن يعلن الحرب عليه. لذلك فإنّ جلّ ما يقوم به روحاني هو إنقاذ النّظام المتطرّف ممّا يجعل منه حامي المرشد و قد  أدرك الكثير من الإيرانيين هذه الحقيقة وامتنعوا عن التّصويت في الإنتخابات التي جرت . والجدير بالذّكر في هذا الصّدد هو أنّ عهد الرّئيس المعتدل محمّد خاتمي الذي عُرف بحكمته كان من أكثر العهود التي إنتُهكت خلالها حقوق الإنسان و كثرت الإغتيالات السّياسيّة لعلماء دين سنّة ( راجع كتاب “طوق العمامة” للكاتب وضّاح شرارة

أمّا أوباما السّاعي للسّلام فقد فاته أنّ الحرب قد تكون ضرورة للسّلام كما سبق وقال كلاوسوفيتس . وقد فاته أنّ السلبيّة السياسية ليست حلّاً بل عائقاً أمام السّلام. أمّا ترك المُعسكر الإيراني-الروسي-الحزب اللّهي يسرح ويمرح في سوريا ليس سوى ضربة للسّلام

ونستنتج خاتمةً أنّ باراك حسين أوباما و حسن روحاني ليسا مختلفان جدّاً . فالأوّل يطارد دون جدوى شبح السّلام و الثاني يطارد شبح الإعتدال

Advertisement

Leave a comment

Filed under Foreign Policy & IR, Iran, عربي

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s