بقلم أسامة حريري – ١٥ كانون الأول ٢٠١٣

Source: http://www.csmonitor.com/
يعلّمنا تاريخ الثّورات ونشئة الأمم أشياء كثيرة منها أنّ الأيديولوجيّات لا تدوم للأبد و لا تصلح لكلّ زمان و مكان. فالأيديولوجيا غالباً ما تكون عائقاً أمام تطوّر المجتمعات وتحرّرها و لا بدّ أن يأتي اليوم حيث تنتصر إرادة التّغيير على جمود الفكر. ومن النّاس من يتمسّك بالأيديولوجيا المنتهية الصّلاحيّة ، ومنهم من ينتظر قيام أخرى وقسم آخر يرفض الإنصياع لأي شكل من أشكال التّكبيل الفكري.
اليوم وصلت أيديولوجيا روح الله خميني الى مرحلة من الإستنزاف حيث بات من الصّعب الإستمرار في استهلاكها. فالزّمن تغيّر والعولمة اجتاحت أقاصي الأرض والمجتمع الإيراني أصبح بمعظمه مدينيّاً بعد أن كان قرويّاً. ولم تعد تفلح الشّعارات والبروبغندا التي يروّج لها خليفة خميني . فعلى عكس المجتمع الخميني في لبنان، لم تعد شعارات الشّهادة وتقديس الشّهداء تقنع جزء كبير من الشّعب الإيراني الذي عانى من حرب العراق ومن غطرسة النّظام و قمعه. أمّا خدعة العداء للغرب ” الإمبريالي” الذي قام خميني ببناء جزء من نظريّته عليها ، فلم تعد تنطلي على كلّ الإيرانيين. فالشباب الإيراني اليوم يستمع لموسيقى البوب الأميركيّة ويتباهى بملابسه الفرنسيّة ( التي غالباً تصنّع في الصّين ) ، و ينظر بإعجاب للثقافة الغربيّة.
ونستنتج إذاً أنّ مناصري أيديولوجيّة خميني المهترئة أصبحوا أقليّة ، فالمجتمع الإيراني تخطّى ما لم يتخطّاه بعد المجتمع الخميني في لبنان وهذه قصّة أخرى سوف أخصّص لها مقالاً آخر.
إيران اليوم أمام مفترق طرق وهي تواجه تحديّات صعبة أهمّها تردّي الوضع الإقتصادي و أزمة النّووي مع الغرب. وقد حاولت القيادة الإيرانيّة تصوير المرحلة الأولى من المفاوضات مع الغرب على إنّها نصرٌ لإيران التّي صمدت و أجبرت أميركا على الإعتراف بها كقوّة إقليميّة أساسيّة وهذا ردّ فعل متوقّع من إمبراطوريّة تمرّست فنّ المعاندة و العنجهيّة. فالمفاوضات ليست نصراً بل مجرّد هروب من الهاوية وذلك عبر التّخفيف من العقوبات التي باتت تهدّد إستمراريّة الجمهوريّة الإسلاميّة خصوصاً بعد أن وصل الإحتقان الشّعبي الى درجة عالية. فالأموال التّي رُفع الحظر عنها ليست هبة من الغرب بل أموال إيرانيّة بحتة.
لا شكّ أنّ القيادة العليا أثبتت حنكتها في مجالاتٍ كثيرة ، لكنّ الجولة الأولى من المفاوضات ليست سوى تمهيداً لجولات ستكون أطول و أصعب ، ففي نهاية المطاف نفعت العقوبات في إعطاء مفعولها.
إيران إذاً تمرّ بامتحانٍ صعب حيث يجدر عليها أن تُثبت حسن نيّتها و إرادتها في احترام شروط التّخصيب النّووي التي وضعها الغرب. على إيران أيضاً أن تنفتح أكثر على العالم الغربي وتتعاون معه في تأمين الإستقرار في منطقة الشّرق الأوسط
دعونا الآن نفترض أنّ إيران نجحت في احترام الشّروط الأوروبيّة وفي الإنفتاح على الغرب وتغيير سياستها الإقليميّة. و لكن هل ستنجح إيران خامنئي في التخلّي عن جزء كبير من أيديلوجيّتها على حساب الإنفتاح والتّعاون ؟ ماذا ستكون شعارات المرحلة المقبلة بعد أن بات من الصّعب الإستمرار في رفع شعارات الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل ؟؟
من أهمّ صفات الأيديولوجيا الصّلابة . فالأيديولوجيا كجزع الشّجرة ، صلب لا ينحني سوى بالكسر على عكس سنبلة القمح التي تميل وتتأقلم مع الرّياح . والأنظمة القمعيّة التّي تقوم على أيديولوجيا صلبة و أفكار متحجّرة لا تحتمل التّغيير بطبعها. لهذا السّبب لم يحاول نظام الأسد القيام بأي إصلاح لأنّه كان سينهار على الفور. والأتّحاد السّوفياتي أيضاً لم يحتمل التّغيير. وهذه المشكلة تقلق النّظام الإيراني الذّي أصبح مجبراً على القيام ببعض التّعديلات وإن تكن قليلة من أجل أن ينقذ منظومته الإقتصاديّة التي يسيطر عليها الحرس الثّوري و الملالي. ما الحلّ إذن ؟ أنحن ذاهبون نحو تغيير بطيء في منظومة الحكم في إيران أم أنّ النّظام سوف يحدث معجزة و يميل كسنبلة القمح ؟؟
لا يمكننا مقارنة دولتين كالصّين وإيران و لكن يمكننا أن نفكّر على الأقلّ في التّجربة الصّينيّة مع الأنفتاح والرّأسماليّة و ربطها ببعض العوامل التي تشهدها إيران. فالصّين اليوم بلد رأسمالي بامتياز منفتح إقتصاديّاً و ماليّاً على الأسواق العالميّة ، لكنّه في نفس الوقت ما زال يحافظ على الإرث الشيوعي و لو بالإسم فقط و ما زال نظامه قمعيّاً بعيداً عن الديمقراطيّة . رغم صعوبة المشابهة بين الحالة الصّينيّة و مستقبل الجمهوريّة الإسلاميّة ، إلّا أنّ السّؤال في هذا الصّدد مشروع و هو التّالي : هل ينجح نظام الحرس الجمهوري في تكرار الحالة الصّينيّة حيث تنفتح إيران على الغرب وتتعاون نوويّاً مقابل بقاء السّلطة القمعيّة والإعتراف بنفوذها على المنطقة ؟
لا يمكننا الإجابة على هذا السّؤال في الوقت الرّاهن ، فالمفاوضات ما زالت في بداياتها و استنتاج كهذا قد يكون تسرّعاً في تحليل المسائل. لكنّ المؤكّد في هذا الصّدد هو أنّ أيديولوجيّة خميني أصبحت مهترئة وبات ضروريّاً إمّا استبدالها تدريجيّاً بأيديولوجيا أخرى ، إمّا القضاء عليها نهائيّاً و هذا يعود الى حنكة النّظام و طريقة تعامله مع المسائل.