بقلم أسامة حريري – ١٧ آذار ٢٠١٣
دعوني قبل أن أبدأ بهذه المقالة، التي كنت أتمنّى ألاّ أكتبها والتي أتمنّى ألاّ أكتب واحدة مثلها العام المقبل، دعوني أقسمها الى قسمين : القسم الاوّل ذات أسلوب أدبي، أمّا القسم الثّاني
فسياسي تحليلي بصورةٍ أو بأخرى
القسم الأوّل
كنت قبل بضعة أيّام أقرأ بعض المختارات الشّعريّة للشّاعر العراقي المعاصر ” أحمد مطر “، فاستوقفتني قصيدة بعنوان ( دمعة على جثمان الحريّة ). رحت أقرأها وعندما أنهيتها لم يكن بوسعي إلّا ربطها بالثّورة السوريّة التي مضى عامان منذ أن بدأت. إسمحوا لي في هذا الصّدد أن أكتب كلمة ثورة دون أن أضعها داخل قوسين أو مزدوجين ، ممّا قد يزعج بعض خبراء مصطلحات العلوم السّياسيّة والعلاقات الدوليّة. فإنّي صراحةً لا أنوي كتابة نموذج عن المقالات “الموضوعيّة ” التي يتنبّه أصحابها للألفاظ التي يستخدمونها لألّا يغضبوا ضميرهم وضمير الأمّة “النّاقدة” . فمقالتي يا سيّداتي وسادتي نابعة من مشاعر إنسانٍ يتألّم مع كلّ طفلٍ يُقتل في سوريا ومع كلّ سوقٍ يُدمّر في أحياء حلب القديمة. لكنّي لم آتِ اليوم لأنعي الثّورة ، فغداً يومٌ آخر ولا بدّ للّيل أن ينجلي عن سماء دمشق في يومٍ ما وحتّى لو طال الزّمن
أعود للقصيدة التي اخترتها عنواناً لمقالتي ، حيث يقول ” أحمد مطر ” في أبياتها الأخيرة
لقد شيعت فاتنة، تسمّى في بلاد العرب تخريباً
وإرهاباً
وطعنا في القوانين الإلهية
ولكن اسمها والله …
لكن اسمها في الأصل حرية
فهذه الأنثى التي تُدعى ” حُريّة ” لم تُلحق سوى العار بنا وبتقاليدنا الرثّة . فكيف تجرّأتِ يا “حريّة” وقبّلتِ جدران دمشق ، وكيف تجرّأتِ وداعبتِ ياسمينها ؟؟ أمّا الّذين حلموا بفِراشك فما هم سوى بآثمين. هؤلاء الّذين غطّوا الشوارع بلحمهم الحيّ وهم يهتفون ” سلميّة ” فما هم سوى بحالمين. لقد قيّدوك يا “حريّة” قبل أن تولدين ، ثمّ نبحوا بصوتٍ واحد: ثورتكم هذه هي من فعل المخرّبين
القسم الثاني
في السّابع والعشرين من شباط هذا العام ، توفّي الديبلوماسي والمُفكّرالفرنسي” ستيفان هيسّيل ” الذي ناضل كلّ حياته من أجل قضايا محقّة ، فلم يتورّع عن دعم للقضيّة الفلسطينيّة ، ومؤخّراً أبدى دعمه للشّعب السوري ليقول : ” كفى. كفى للعنف الذي يمارسه نظام الطّاغوت في سوريا .” مات هيسّيل وما زالت سوريا تقبع تحت رحمة حجّاج دمشق
من أحد أقوال هيسّيل الذي لفت انتباهي وأحببت أن أُعلّق عليه وأربطه بالأحداث الجارية في المنطقة هو التّالي ، أقتبس : ” للأسف فإنّ التاريخ برهن لنا أنّ قليلة هي الشّعوب أو الجماعات التي تستخلص العبر من تجاربها السابقة. “هذه هي حال بعض الجماعات من الشّعب اللّبناني الذي سيكون من أكثر المتأثّرين بمجريات الأحداث في سوريا اليوم. ولسوء الحظّ ، لم يتعلّم قسم كبير من اللّبنانيين أنّ هذه البقعة الصغيرة من الأرض لم تعد تحتمل أن تكون ساحة لمشاريع دوليّة وإقليميّة كبرى ولم تعد تحتمل أهوال حربٍ جديدة. ولكنّنا نحن كلبنانيين أردنا أن نبرهن أنّ ستيفان هيسّيل كان وما زال على حقّ. فكلّ الحروب التي خضناها بإسم فلسطين، والأمّة العربيّة، والوطنيّة المزيّفة والمقاومة، والدّين ، وحماية الأقليّات ، كلّ هذه الحروب لم تعلّمنا شيئاً
ودعوني في هذا الصّدد أخصّ جماعةً بالذكر. دعوني أخصّ حزب الله ، حزب المقاومة. مقاومة ماذا ؟ لا أحد بات يعرف. لم يعد مستوراً التورّط العسكري لحزب الله في الداخل السوري. فالعشرات من شبّانه يرجعون جثثاً هامدة كل أسبوع أو بضعة أسابيع ليدفنوا في قراهم من دون هرجِ ولا مرجٍ كما عوّدتنا قيادة الحزب. ومن المضحك المبكي كيف أنّ جمهور حزب الله يقوم كلّ عامِ بإحياء مراسم عاشوراء ليبكي الحسين الذي مات “مظلوماً” في كربلاء وهو يُقاتل حكماً “جائر”، وها هو اليوم الجمهور ذاته يُصرّ على إعادة التاريخ نفسه وذلك عبر دعم نظام الأسد. أهذا هو مصيرنا في العالم العربي ، المظلوم يُصبح ظالم و الظالم يُصبح مظلوم ؟ وتتبادل الأدوار كل فترة كلعبةٍ ليس لها نهاية أبداً والكلّ فيها خاسرون
والمضحك المبكي أيضاً هو أنّ حزب الله ليس سوى ورقة لعب لها مدّة صلاحيّة محدودة وسيأتي يوم ينتهي فيه تاريخ هذه الصلاحيّة على يد الجمهوريّة الخمينيّة. أمّا الشّعب السوري فمن يأبه به ! فقد بات مصير سوريا متعلّق بحسابات إيرانيّة ، روسيّة، أميركيّة و سعوديّة تدور حول مسائل عديدة كالملف النووي الإيراني وأمن إسرائيل والنفوذ الروسي في الشرق الأوسط. وبخصوص إسرائيل ، فلم تتورّع عن إبداء خوفها على نظام الديكتاتور المفضّل ، حامي حدود الجولان. أمّا الأشقّاء العرب ، فحدّث ولا حرج. يكفي معاناة اللّاجئين السوريين
لم يعد للشّعب السوري يدّ بما يحدث. فالقرار بات أجنبي بحت، والحسم العسكري ممنوع أن يحصل لمصلحة أي طرف كان. فالهدف هو إطالة الصّراع وخلط الأوراق حتّى يُستنزف الشّعب السوري، عندها تنقضّ الدول الكبرى وتقطف ثمار زرعها. وكأنّ المؤامرة الكونيّة التي يتحدّث عنها ” قبضايات” الممانعة فعلاً موجودة ؛ هي مؤامرة ضد سوريا من أجل تدميرها بحيث يُستحال إعادة إعمارها على مدى عقودِ عدّة . فقد صدق الشّعب السوري عندما قال : صمتكم يقتلنا. وبعد عشرين سنة من الآن ، سوف يجلس طلّاب العلوم الّسياسيّة والجيوسياسة ليدرسوا الحرب السوريّة ويحلّلوها ويطلقوا النظرّيات حولها ، كما حدث في البوسنة
والأنكى من ذلك كلّه هو أنّ عناصر من الحرس الثوري الإيراني ومن حزب الله بدأوا منذ بضعة أشهر بالإستقرار في شقق سكنيّة داخل دمشق من أجل التّحضير لمعركة ما بعد الأسد ؛ حرب شوارع على الطّريقة اللبنانيّة. فافرحي يا شعوبنا العظيمة لأنك سوف تشهدي تدمير أقدم عاصمة في العالم
خاتمةً ، وبخصوص الجيش الحرّ ، فلقد اتّفق كلّ الأطراف القضاء على المعتدلين فيه. فكلّ يوم يمرّ دون تسليح الجيش الحرّ يزيد عدد المتطرّفين وهذا شيء مفهوم جدّاً. الثّورة بدأت سلميّة وهذه واقعة يجب ألاّ ننساها أبداَ . لم يُبقي المجتمع الدولي للسوريين سوى خيار واحد وهو حمل السلاح للدفاع عن النفس. فلا تلوموا من حمل بندقيّة للدّفاع عن عائلته
فاصحي واستيقظي يا أمم قبل أن تصبح سوريا مجرّد دمعة على جثمان الحريّة