بقلم أسامة حريري – ١٥ آذار ٢٠١٢
لربّما جفّت الأقلام من كثر المقالات التي كُتبت عن الثورة السوريّة و لربّما جفّت أيضاّ العيون من كثرة الدّموع التي ذُرِفت علما أنّ الدّموع لا تنفع. عام مضى على بدء الثورة في سوريا وما زال المدنييون العُزّل يُقتلون يوميا ويشرّدون ويعذّبون تحت أعين العالم أجمع. إلى أين نحن ذاهبون إذا في مسلسل القتل هذا ؟ أي متى ستدرك الدوّل الكُبرى أنّه قد آن الأوان لنسيان الجيوسياسية وموازين القوى والبدء بالتفكير بشكل إنساني ؟! لو كانت المشاكل تُحلّ بالشّجب والتّنديد ، لكانت سوريا اليوم تعيش بسلام من دون الطّاغية الذي ما زال قابعا في قصره في دمشق. ماذا ينتظر الثورة السوريّة بعد عام على بدئها ؟ الى أين ستؤدّي سياسة تضييع الوقت والتخبّط التي يتّبعها المجتمع الدولي ؟
نشاهد يوميا نشرات الأخبار، أو نقرأ الصحف أو نلقي نظرة على الفايسبوك لمعرفة ما يحدث في سوريا. لكن الوضع لا يتغيّر، فالناس ما زالت تُقتل والمجتمع الدولي ما زال يشجب. أمسى كلّ ما ذكرناه أعلاه مجرّد عمل روتيني نقوم به كلّ يوم. نستيقظ على مجزرة جديدة و ننام على خيبة أمل أخرى. أصبح الناس في سوريا مجرّد أرقام ٍ للبعض وهنا تبرز الخطورة ، فقد بدأ الكثيرون يعتادون على مشاهد القتل كما اعتادوا سابقا على مشاهدة التفجيرات اليومية في العراق.
الشّعب السوري قال كلمته منذ سنة مضت : ” نريد أن نحيا أحرار. نريد أن نبني مستقبلا جديدا لأطفالنا حيث لا مكان للخوف أو لذكريات القمع “. هذا ما قالته أصوات الشعب السوري. ولكن أمن مستمع؟ لنفترض أنّ الأزمة في سوريا انتهت اليوم، فأيّ مستقبلٍ عندها ينتظر أولئك الأطفال الذين قُتلت أسرهم وشاهدوا من المجازر ما لا يتحمّله عقل إنسان ؟! ولكن، وللأسف هذا جلٌ ما يبتغيه النظام الحاكم. يريد أن يطبع صور القتل في ذاكرة الأطفال وأن يدفع الناس الى العنف. وفي هذا الصدد لا يمكننا أن نلوم أولئك الذين حملوا السلاح ليدافعوا عن أنفسهم فهذا هو الخيار الوحيد الذي تركه لهم النظام الأسدي والمجتمع الدولي.
و هذا هو السيناريو بالتحديد الذي يريد البعض أن يراه. فإسرائيل مثلا ومنذ اليوم الأوّل للثورة كانت وما زالت تفضّل بقاء الأسد في السلطة. وبما أنّ الأسد لم يعد بتمتّع بالشرعيّة الدوليّة ومن المرجّح أن يسقط نظامه ( وللأسف ستطول الحكاية ) ارتأى للدول الكبرى ولإسرائيل ولبعض الدول العربيّة أيضا إتّباع سياسة الاستنزاف. تقوم هذه السياسة على استنزاف الموارد البشريّة والبنى التحتيّة لسوريا بحيث وبعد سقوط الأسد يكون البلد قد تدمّر وتمزّق، فتمسي سوريا دولة ضعيفة غير قادرة على النهوض من جديد. إذ أن إيجاد حلّ سريع للأزمة السوريّة يتعارض مع المصالح الجيوسياسية والإقتصاديّة للدول المسيطرة في الشرق الأوسط. إنٌ الحلّ السريع للأزمة في سوريا ( والذي هو ممكن ) يسرّع عمليّة إنتقال السلطة وإن تكن العقبات كثيرة.
وبما أنّ روسيا والصين لا تنفكّان في استعمال حقّ الفيتو ضدّ الشعب السوري، فإنّ اللوم بذلك لا يقع على الولايات المتّحدة التي تهرب دائما إلى الأمام بتقديمها حلا فاشلا تلو الآخر.
خلاصة : المسألة أمست مسرحيّة حيث كلّ شخص يكتفي بالدّور الذي أملاه عليه المؤلّف. إنٌ قارئ الصّحف القلق على الثورة يستنكر المجازر ويتمنّى لو باستطاعته تغيير الوضع. و كاتب المقالات يمدح ببطولات الشعب السوري تارةً و يحلّل المسائل تارة و يعبّر عن غضبه والكبت الذي في داخله تارة أخرى علّه يجعل ما تبقّى من إنسانيّة في العالم تستيقظ. الدول العظمى والمسمّاة بالديمقراطيّة، تحسب المسائل وتماطل وتماطل. أمّا الشعب السوري، ولسوء حظّه فهو من يموت.
عام مرّ وما زالت الحلول مبهمة. البعض يتكلّم عن تسليح المنشقّين والبعض الآخر يتكلم عن قصف منشآت النّظام في حين لا تستطيع المساعدات الإنسانيّة أن تدخل بابا عمرو.
١٥ آذار ٢٠١١ تاريخ انتفض فيه الشّعب السوري وبدأ ثورته من أجل الحريّة ، لكنّ العالم اليوم قد خذله.