بقلم أسامة حريري – ٣١ تموز ٢٠١١
لم يكن أحد يتوقع أن تؤول الأمور الى ما آلت اليه في سوريا ، حتّى المحلّلين السّياسيين المختصين بالمنطقة . بعد نحوة أربعة أشهر على بدء الثّورة السورية ها هو الشّعب السوري يواجه نظام الأسد باللّحم الحيّ . بالمقارنة مع مصر أو تونس أو ليبيا ما زال الموقف الغربي من آلة القتل البعثية ضعيفاً ، فضلاً عن معارضة الصّين و روسياّ لأي قرار جدّي لفرض العقوبات. وبذلك لم يبقَ للشّعب السّوري في الوقت الحاضر سوى المراهنة على شجاعة أبنائه بغياب الموقف الجدّي المُنتظر من الدّول العربية والمجتمع الدّولي .
ولكن ما هي عوامل قوّة النّظام السوري الخارجية الّتي تُمكّنه من كسب الوقت والمماطلة ؟
في آخر اجتماع بين بشّار الأسد والنّائب اللّبناني وليد جنبلاط ، قال الأسد لجنبلاط أنّ سوريا لم تلعب كلّ أوراقها بعد و أنّ النظام ما زال مسيطراً على الأمور . و بالفعل ، قإنّ النّظام ما زال يحتفظ بأوراق أمنيّة كثيرة ليلعبها .
إذا تجاهلنا عامل حدود سوريا مع العراق والشّبكات الأمنيّة التي يديرها نظام البعث السوري في بلد الرّافدين ، وإذا تجاهلنا المنظّمات الفلسطينيّة كحماس مثلاً التي لديها مراكز في دمشق ودعم القذافي وأحمدي نجاد يبقى لنا لبنان بلد الفتن والرّسائل السياسية .
في أيّار الماضي قرّر الفلسطينيّيون إحياء ذكرى النّكبة على طريقة جديدة . بالطّبع لم تكن المبادرة من الفلسطينيّين وحدهم بل من حزب اللّه الّذي أخذ على عاتقه هذه المهمّة وموّل مسيرة الى الحدود اللبنانية مع إسرائيل راح ضحيّتها عشرة فلسطينياً ذهبوا عُزّلاً متجاهلين تحذيرات الجيش اللّبناني و الإسرائيلي. والمصادفة الغريبة أنّ معظم الّذين لم ينصاعوا لأوامر الجيش كانوا من حركة حماس. الأمر عينه حدث على جبهة الجولان التي لم تُطلق فيها رصاصة واحدة منذ عام 1973 حيث كعادتهم كان الفلسطينييون كبش محرقة. أهكذا يكون تحرير فلسطين ؟
مجدّداً الى لبنان حيث جُرح ستّة جنود من الكتيبة الإيطاليّة التّابعة لليونيفيل في 27 أيّار الماضي على أحد مداخل عاصمة الجنوب صيدا بعبوة ناسفة زُرعت على جانب الطّريق. منذ بضعة أيّام في 27 تمّوز حدث سيناريو مشابه ، مجدّداً في مدينة صيدا حيث جُرح خمسة جنود من الكتيبة الفرنسيّة ، أحدهم في حال الخطر بسبب عبوة ناسفة أخرى .
المُستهدف بالتّفجير الأخير لم يُختار عبثاً ، فالموقف الفرنسي مما يحدث في سوريا يُعتبر الأكثر جديّة بين كلّ المواقف الغربيّة الشّاجبة، و من السّهل لنظامٍ قمعي كالنّظام السوري أن يستخدم شبكاته الممتدّة من العراق الى فلسطين لتوصيل رسائل معيّنة. و من المعلوم أنّ سوريا ، رغم انسحابها العسكري من لبنان عام 2005 بعد ثلاثة عقود من الحكم الحديدي ، ما زالت مخابراتها مسيطرة و ما زال حلفاؤها يتلقّون الدّعم السياسي والأمني الدّائم .
لهذا السّبب لم ينأ السورييون عن ظلم الأسد في سوريا ، بل لوحقوا و يلاحقون اليوم في لبنان حيث يُعتقلون و يُعذّبون و يُخطفون مع تواطؤ السلطات اللّبنانيّة و لا مبالاة اللبنانيّين. و ما زال الأسد في لبنان يُرعب الشّعب اللبناني الذي لم يكفيه الخضوع لثلاثين عاماً من الطغيان بل يسكت اليوم عن مجازر تحدث على مسافة قريبة منه. و رغم المحاولات الخجولة لأخذ مواقف جدّيّة وحماية المواطنين السوريين في لبنان ، فإنّ القوى المسيطرة فرضت سلطتها مدعومةً من أحزاب ميليشيويّة مسلّحة .
الى متى سيبقى للأسد عرينٌ في لبنان ؟ ألم يستنتج الشّعب اللبناني بعد أنّ حريّته مرتبطة بشكل مباشر بحريّة الشّعب السوري ؟!